بعد أن استمر اللطم والندب علي مدار الاسبوع الماضي في ذكري هزيمة يونيو لا يجد اللاطمون والنادبون وقتا لقراءة تاريخ اول معركة وقعت بعد أيام قليلة من نكسة 67، وهي معركة "رأس العش"، ويرويها بطلها المقاتل الرقيب "حسني سلامة" من قوات الصاعقة، الذي قال عنه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر: "فيه واحد اسمه حسني سلامة شايل المعركة على أكتافه".
قرار البدء في معركة جديدة بعد النكسة بأيام قليلة كان قراراً صعباً جاء في وقت أصعب، لشعور الجنود المصريين في هذا الوقت بعد النكسة بالألم والحسرة؛ لكن لم يكن هناك أية وسيلة أخرى للتصدي لإسرائيل التي استمرت بعد النكسة في التقدّم داخل الأراضي المصرية.
ففي مدينة بورفؤاد الواقعة في بورسعيد؛ وبالأخص في منطقة "رأس العش".. ثأر الجنود المصريون لأنفسهم، وأبوْا أن يدخل الأعداء الإسرائيليون بورفؤاد إلا فوق جثثهم، وكان ثأرهم أشبه بثأر ذئاب جائعة لافتراس فريستها بشراهة.
وبالفعل اتخذ الذئاب مواقعهم في صمت وتخفّوْا، ووُضِعت الخطة فعلاً لاقتناص المدرّعات الإسرائيلية، واتخذ الكل أدواره ومواقعه في صمت مخيف من صنع أشجع الشجعان، وظهرت بوادر المدرعات الإسرائيلية، والذئاب صامتين ينتظرون اللحظة المناسبة لافتراس الإسرائيليين.
وفجأة.. انفجر اللغم الأرضي في مقدمة الموكب الإسرائيلي، وانفجر آخر في مؤخرة الموكب الإسرائيلي، وأصبح الموكب المهيب كالفأر في المصيدة وانفجر الغضب المصري بشراسة عنيفة في وجه الإسرائيليين الذين أصبحوا في وضع صعب للغاية.
وانطلقت القوات المصرية من مكامنها؛ معلنة عن غضب شعب أبى العيش وأرضه محتلة.. انطلقت تمحو أمامها كل شيء حي وكأنها خُلقت للقتل والتدمير والتخريب، وذُعِرَ الإسرائيليون بشكل أشعرهم أنهم في مواجهة جيش آخر غير ذلك الذي هزموه بسهولة ويُسر في 67.
ويحكي لنا الرقيب "حسني سلامة" عن معركة رأس العش قائلاً: "كانت المهمة واضحة تماماً، وهي منع اليهود من دخول بورفؤاد إلا فوق أجسادنا، وكنا نرى اليهود بالعين المجردة يتحركون بين مجنزراتهم؛ وكأنهم ذاهبون إلى نزهة؛ بينما نحن بإمكانيات شبه منعدمة بمعداتنا الخفيفة، بدون أدوات حفر، أو وسائل إعاشة أو حتى باقي معدات القتال".
وبحكم دراسة "حسني سلامة" للفنون العسكرية كان على يقين من أن اليهود يستخدمون دائماً أسلوب "الالتفاف والتطويق" لمحاصرة العدو؛ بدلاً من المواجهة المباشرة التي يخشونها، ولذلك -وعند توزيعه للجنود على الموقع- وضع فردين في المؤخرة بمدافع رشاشة خفيفة، تحسّباً للتطويق من الخلف.
ومن الطريف في هذه المعركة أن الإسرائيليين كانوا يتابعون تحركات الجنود المصريين التي كانت مكشوفة بالعين المجردة لليهود، والأطرف أن الإسرائيليين خسروا هذه المعركة على الرغم من أنهم أرسلوا طائرة استطلاع صغيرة حلقت فوق مواقع المصريين على ارتفاع منخفض جداً؛ لدرجة أن البطل "حسني سلامة" قال: "إنني رأيت من موقعي قائد الطائرة وهو ينظر لنا ويضحك، ولا بد أنه أحصانا كلنا فرداً فرداً، وعرف ما نحمله من معدات؛ فضلاً عن بثّ الرعب في نفوسنا.. هذا الطيار لا بد أنه أبلغهم على الجانب الآخر ألا يقيموا لنا أي حساب؛ فلا بد أننا سنفرّ عند أول مواجهة".
أما المدهش في هذه المعركة أنه عندما تقدّم الإسرائيليون نحو الجنود المصريين وفتحوا نيرانهم عليهم، وعلى الرغم من أن المصريين لم يكونوا يملكون أي أسلحة يمكنها الوصول للإسرائليين، اقترب العدو أكثر وأكثر حتى وصل إلى منطقة الألغام، وانفجر بعضها بالفعل؛ برغم أن الإسرائيلين كانوا يرون زرعها بأعينهم.
وخلال التبادل النيراني الكثيف بين الطرفين وفي لحظة شديدة الغرابة توقّفت القوات الإسرائيلية عن الضرب فجأة، وأسكتت كافة نيرانها، وكان لهذا معنى واحد هو أن لديهم قوات خلف المصريين يخشون إصابتها، وأنهم طوّقوا المصريين بالفعل؛ لكن استطاعت قواتنا فكّ هذا التطويق، ولم يعد أمام الإسرائيليين إلا الهجوم من الأمام.. واشتعلت النيران ودوت الانفجارات في المركبات الإسرائيلية واستمرّ التراشق بعد ذلك قرابة نصف الساعة قبل أن يفرّ الإسرائيليون هاربين.
وبعدها ساد صمت طويل.. لا صوت بشري واحد من الطرفين.. لا أصوات رصاص.. لا أصوات قنابل أو محركات.. ليس سوى صوت النيران المشتعلة هنا وهناك.. وكان نتيجة هذه المعركة أن ظلّت مدينة بورفؤاد هي الجزء الوحيد غير المحتل في سيناء حتى قيام حرب أكتوبر 1973.
كان هذا هو الجندي المصري الذي لم يتملّكه الشعور بالهزيمة في عام 1967؛ لأنه لم يقاتل فعلاً في هذه الحرب بل فُرض عليه موقف الانسحاب في معركة لم يدخلها..
وهكذا عادت الروح من جديد للشعب المصري، وفجّرت ينابيع الوطنية والانتماء داخل كل مصري، أولئك البواسل هم مثل حي لنا كشباب على الوطنية والتضحية والدم الحامي على شرف البلاد؛ لكي نعي وندرك حالنا، وما كنا عليه في الماضي، وما أصبحنا عليه في الحاضر من أجل أن نخطط لمستقبلنا، واستطاع هؤلاء الشجعان أن يثبتوا بالدليل القاطع عدم صحة مقولة "إسحق رابين" التي قالها في شهر يونيو 1967 عقب هزيمة جيش مصر الذي لم يحارب وهي: "بواسطة قواتي الجوية أستطيع غزو أي مكان في العالم.. حتى لو كان في القطب الشمالي..".
قرار البدء في معركة جديدة بعد النكسة بأيام قليلة كان قراراً صعباً جاء في وقت أصعب، لشعور الجنود المصريين في هذا الوقت بعد النكسة بالألم والحسرة؛ لكن لم يكن هناك أية وسيلة أخرى للتصدي لإسرائيل التي استمرت بعد النكسة في التقدّم داخل الأراضي المصرية.
ففي مدينة بورفؤاد الواقعة في بورسعيد؛ وبالأخص في منطقة "رأس العش".. ثأر الجنود المصريون لأنفسهم، وأبوْا أن يدخل الأعداء الإسرائيليون بورفؤاد إلا فوق جثثهم، وكان ثأرهم أشبه بثأر ذئاب جائعة لافتراس فريستها بشراهة.
وبالفعل اتخذ الذئاب مواقعهم في صمت وتخفّوْا، ووُضِعت الخطة فعلاً لاقتناص المدرّعات الإسرائيلية، واتخذ الكل أدواره ومواقعه في صمت مخيف من صنع أشجع الشجعان، وظهرت بوادر المدرعات الإسرائيلية، والذئاب صامتين ينتظرون اللحظة المناسبة لافتراس الإسرائيليين.
وفجأة.. انفجر اللغم الأرضي في مقدمة الموكب الإسرائيلي، وانفجر آخر في مؤخرة الموكب الإسرائيلي، وأصبح الموكب المهيب كالفأر في المصيدة وانفجر الغضب المصري بشراسة عنيفة في وجه الإسرائيليين الذين أصبحوا في وضع صعب للغاية.
وانطلقت القوات المصرية من مكامنها؛ معلنة عن غضب شعب أبى العيش وأرضه محتلة.. انطلقت تمحو أمامها كل شيء حي وكأنها خُلقت للقتل والتدمير والتخريب، وذُعِرَ الإسرائيليون بشكل أشعرهم أنهم في مواجهة جيش آخر غير ذلك الذي هزموه بسهولة ويُسر في 67.
ويحكي لنا الرقيب "حسني سلامة" عن معركة رأس العش قائلاً: "كانت المهمة واضحة تماماً، وهي منع اليهود من دخول بورفؤاد إلا فوق أجسادنا، وكنا نرى اليهود بالعين المجردة يتحركون بين مجنزراتهم؛ وكأنهم ذاهبون إلى نزهة؛ بينما نحن بإمكانيات شبه منعدمة بمعداتنا الخفيفة، بدون أدوات حفر، أو وسائل إعاشة أو حتى باقي معدات القتال".
وبحكم دراسة "حسني سلامة" للفنون العسكرية كان على يقين من أن اليهود يستخدمون دائماً أسلوب "الالتفاف والتطويق" لمحاصرة العدو؛ بدلاً من المواجهة المباشرة التي يخشونها، ولذلك -وعند توزيعه للجنود على الموقع- وضع فردين في المؤخرة بمدافع رشاشة خفيفة، تحسّباً للتطويق من الخلف.
ومن الطريف في هذه المعركة أن الإسرائيليين كانوا يتابعون تحركات الجنود المصريين التي كانت مكشوفة بالعين المجردة لليهود، والأطرف أن الإسرائيليين خسروا هذه المعركة على الرغم من أنهم أرسلوا طائرة استطلاع صغيرة حلقت فوق مواقع المصريين على ارتفاع منخفض جداً؛ لدرجة أن البطل "حسني سلامة" قال: "إنني رأيت من موقعي قائد الطائرة وهو ينظر لنا ويضحك، ولا بد أنه أحصانا كلنا فرداً فرداً، وعرف ما نحمله من معدات؛ فضلاً عن بثّ الرعب في نفوسنا.. هذا الطيار لا بد أنه أبلغهم على الجانب الآخر ألا يقيموا لنا أي حساب؛ فلا بد أننا سنفرّ عند أول مواجهة".
أما المدهش في هذه المعركة أنه عندما تقدّم الإسرائيليون نحو الجنود المصريين وفتحوا نيرانهم عليهم، وعلى الرغم من أن المصريين لم يكونوا يملكون أي أسلحة يمكنها الوصول للإسرائليين، اقترب العدو أكثر وأكثر حتى وصل إلى منطقة الألغام، وانفجر بعضها بالفعل؛ برغم أن الإسرائيلين كانوا يرون زرعها بأعينهم.
وخلال التبادل النيراني الكثيف بين الطرفين وفي لحظة شديدة الغرابة توقّفت القوات الإسرائيلية عن الضرب فجأة، وأسكتت كافة نيرانها، وكان لهذا معنى واحد هو أن لديهم قوات خلف المصريين يخشون إصابتها، وأنهم طوّقوا المصريين بالفعل؛ لكن استطاعت قواتنا فكّ هذا التطويق، ولم يعد أمام الإسرائيليين إلا الهجوم من الأمام.. واشتعلت النيران ودوت الانفجارات في المركبات الإسرائيلية واستمرّ التراشق بعد ذلك قرابة نصف الساعة قبل أن يفرّ الإسرائيليون هاربين.
وبعدها ساد صمت طويل.. لا صوت بشري واحد من الطرفين.. لا أصوات رصاص.. لا أصوات قنابل أو محركات.. ليس سوى صوت النيران المشتعلة هنا وهناك.. وكان نتيجة هذه المعركة أن ظلّت مدينة بورفؤاد هي الجزء الوحيد غير المحتل في سيناء حتى قيام حرب أكتوبر 1973.
كان هذا هو الجندي المصري الذي لم يتملّكه الشعور بالهزيمة في عام 1967؛ لأنه لم يقاتل فعلاً في هذه الحرب بل فُرض عليه موقف الانسحاب في معركة لم يدخلها..
وهكذا عادت الروح من جديد للشعب المصري، وفجّرت ينابيع الوطنية والانتماء داخل كل مصري، أولئك البواسل هم مثل حي لنا كشباب على الوطنية والتضحية والدم الحامي على شرف البلاد؛ لكي نعي وندرك حالنا، وما كنا عليه في الماضي، وما أصبحنا عليه في الحاضر من أجل أن نخطط لمستقبلنا، واستطاع هؤلاء الشجعان أن يثبتوا بالدليل القاطع عدم صحة مقولة "إسحق رابين" التي قالها في شهر يونيو 1967 عقب هزيمة جيش مصر الذي لم يحارب وهي: "بواسطة قواتي الجوية أستطيع غزو أي مكان في العالم.. حتى لو كان في القطب الشمالي..".